وهذا اللفظ- الذي ذكره المصنف لم أقف عليه بهذه الصيغة في الصحيحين- فمن أراد تصحيحه فعليه إبرازه والله أعلم.
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب- فقد لغوت».
يقال: لغا يلغو ولغي يلغي واللغو واللغي قيل: هو رديء الكلام وما لا خير فيه وقد يطلق على الخيبة أيضا.
والحديث دليل على طلب الإنصات في الخطبة والشافعي يرى وجوبه في حق الأربعين وفيمن عداهم قولان هذه الطريقة المختارة عندنا.
واختلف الفقهاء أيضا في إنصات من لا يسمع الخطبة وقد يستدل بهذا الحديث على إنصاته لكونه عقله بكون الإمام يخطب وهذا عام بالنسبة إلى سماعه وعدم سماعه.
واستدل به المالكية- كما قدمنا- على عدم تحية المسجد من حيث إن الأمر بالإنصات أمر بمعروف وأصله الوجوب فإذا منع منه- مع قلة زمانه وقلة إشغاله- فلأن يمنع الركعتين- مع كونهما سنة وطول الزمان بهما- أولى وهذا قد تقدم والله أعلم.
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».
الكلام عليه من وجوه:
الأول: اختلف الفقهاء في أن الأفضل التبكير إلى الجمعة أو التهجير واختار الشافعي التبكير واختار مالك التهجير واستدل للتبكير بهذا الحديث وحمل الساعات فيه على الأجزاء الزمانية التي ينقسم النهار فيها إلى اثني عشر جزءا والذين اختاروا التهجير يحتاجون إلى الاعتذار عنه وذلك من وجوه.
أحدها: قد ينازع في أن الساعة حقيقة في هذه الأجزاء في وضع العرب واستعمال الشرع بناء على أنها تتعلق بحساب ومراجعة آلات تدل عليه لم تجر عادة العرب بذلك ولا أحال الشرع على اعتبار مثله حوالة لا شك فيها وإن ثبت ذلك بدليل تجوزوا في لفظ الساعة وحملوها على الأجزاء التي تقع فيها المراتب ولابد لهم من دليل مؤيد للتأويل على هذا التقدير وسنذكر منه شيئا.
الوجه الثاني: ما يؤخذ من قوله: «من اغتسل ثم راح» والرواح لا يكون إلا بعد الزوال فحافظوا على حقيقة راح وتجوزا في لفظ الساعة إن ثبت أنها حقيقة في الجزء من اثني عشر واعترض عليهم في هذا بأن لفظة راح يحتمل أن يراد بها مجرد السير في أي وقت كان كما أول مالك قوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] على مجرد السير لا على الشد والسرعة هذا معنى قوله وليس هذا التأويل ببعيد في الاستعمال.
الوجه الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الروايات: «فالمهجر كالمهدي بدنة» والتهجير: إنما يكون في الهاجرة ومن خرج عند طلوع الشمس مثلا أو بعد طلوع الفجر لا يقال له مهجر.
واعترض على هذا بأن يكون المهجر من هجر المنزل وتركه في أي وقت كان وهذا بعيد.
الوجه الرابع: يقتضي الحديث: أنه بعد الساعة الخامسة يخرج الإمام وتطوي الملائكة الصحف لاستماع الذكر وخروج الإمام إنما يكون بعد السادسة وهذا الإشكال إنما ينشأ إذا جعلنا الساعة هي الزمانية أما إذا جعلنا ذلك عبارة عن ترتيب منازل السابقين فلا يلزم هذا الإشكال.
الوجه الخامس: يقتضي أن تتساوى مراتب الناس في كل ساعة فكل من أتى في الأولى كان كالمقرب بدنة وكل من أتى في الثانية كان كمن قرب بقرة مع أن الدليل يقتضي أن السابق لا يساويه اللاحق وقد جاء في الحديث: «ثم الذي يليه ثم الذي يليه» ويمكن أن يقال في هذا: إن التفاوت يرجع إلى الصفات.
واعلم أن بعض هذه الوجوه لا بأس به إلا أنه يرد على المذهب الآخر: أنا إذا خرجنا على الساعات الزمانية لم يبق لنا مرد ينقسم فيه الحال إلى خمس مراتب بل يقتضي أن يتفاوت السبق في الإتيان إلى الجمعة وذلك يتأتى منه مراتب كثيرة جدا فإن تبين بدليل أن يكون لنا مرد لا يكون فيه هذا التفاوت الشديد والكثرة في العدد فقد اندفع هذا الإشكال.
فإن قلت: نجعل الوقت من التهجير مقسما على خمسة أجزاء ويكون ذلك مرادا؟
قلت يشكل ذلك لوجهين:
أحدهما: أن الرجوع إلى ما تقرر من تقسيم الساعات إلى اثني عشر أولى إذا كان ولابد من الحوالة على أمر خفي على الجمهور فإن هذه القسمة لم تعرف لأصحاب هذا العلم ولا استعملت على ما استعمله الجمهور وإنما يندفع بها لو ثبت ذلك الإشكال الذي مضى من أن خروج الإمام ليس عقيب الخامسة ولا حضور الملائكة لاستماع الذكر.
الثاني: أن القائلين بأن التهجير أفضل لا يقولون بذلك على هذه القسمة فإن القائل قائلان قائل يقول: بترتيب منازل السابقين على غير تقسيم هذه الأجزاء الخمسة وقائل يقول: تنقسم الأجزاء ستة إلى الزوال.
فالقول بتقسيم هذا الوقت إلى خمسة إلى الزوال: يكون للكل وإن كان قد قال به قائل فلكتف بالوجه الأول.
الوجه الثاني من الكلام على الحديث: أنه يقتضي أن البضة تقرب وقد ورد في حديث آخر: «كالمهدي بدنة وكالمهدي بقرة»- إلى آخره فيدل أن هذا التقريب هو الهدي وينشأ من هذا: أن اسم الهدي هل ينطلق على مثل هذا؟ وأن من التزم هديا هل يكفيه مثل هذا أم لا؟ وقد قال به بعض أصحاب الشافعي وهذا أقرب إلى أن يؤخذ من لفظ ذلك الحديث الذي فيه لفظ الهدي من أن يأخذ من هذا الحديث ولكن لما كان ذلك تفسيرا لهذا ويبين المراد منه ذكرناه ههنا.
الوجه الثالث: لفظ البدنة في هذا الحديث ظاهرها أنها منطلقة على الإبل مخصوصة بها لأنها قوبلت بالبقر وبالكبش عند الإطلاق وقسم الشيء لا يكون قسيما ومقابلا له وقيل: إن اسم البدنة ينطلق على الإبل والبقر والغنم لكن الاستعمال في الإبل أغلب نقله بعض الفقهاء وينبني على هذا: ما إذا قال: لله علي أن أضحي ببدنة ولم يقيد بالإبل لفظا ولا نية وكانت الإبل موجودة فهل تتعين؟ فيه وجهان للشافعية أحدهما: التعين لأن لفظ البدنة مخصوصة بالإبل أو غالبة فيه فلا يعدل عنه والثاني: أنه يقوم مقامها بقرة أو سبع من الغنم حملا على ما علم من الشرع من إقامتها مقامها والأول: أقرب وإن لم توجد الإبل فقيل: يصبر إلى أن توجد وقيل: يقوم مقامها البقرة.
7- عن سلمة بن الأكوع- وكان من أصحاب الشجرة- رضي الله عنه قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به).
وفي لفظ: «كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع فنتبع الفيء».
وقت الجمعة عند جمهور العلماء: وقت الظهر فلا تجوز قبل الزوال وعن أحمد وإسحاق: جوزها قبله وربما يتمسك بهذا الحديث في ذلكن من حيث إنه يقع بعد الزوال الخطبتان والصلاة مع ما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين» وذلك يقتضي زمانا يمتد فيه الظل فحيث كانوا ينصرفون منها وليس للحيطان فيء يستظل به فربما اقتضى ذلك: أن تكون واقعة قبل الزوال أو خطبتاها أو بعضهما واللفظ الثاني من هذا: يبين أنها بعد الزوال.
واعلم أن قوله: (وليس للحيطان ظل نستظل به) لا ينفي أصل الظل بل ينفي ظلا يستظلون به ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم ولم يجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالجمعة والمنافقين دائما وإنما كان يقتضي ذلك ما توهم لو كان نفي أصل الظل على أن أهل الحساب يقولون: إن عرض المدينة خمس وعشرون درجة أو ما يقارب ذلك فإذا غاية الارتفاع: تكون تسعة وثمانين فلا تسامت الشمس الرؤوس فإذا لم تسامت الرؤوس لم يكن ظل القائم تحته حقيقة بل لابد له من ظل فامتنع أن يكون المراد: نفي أصل الظل والمراد: ظل يكفي أبدانهم للاستظلال ولا يلزم من ذلك وقوع الصلاة ولا شيء من خطبتيها قبل الزوال.
وقوله نجمع بفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة أي نقيم الجمعة واسم الفيء قيل هو مخصوص بالظل الذي بعد الزوال فإن أطلق على مطلق الظل فمجاز لأنه من فاء يفيء إذا رجع وذلك فيما بعد الزوال.
8- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: {الم تَنْزِيلُ} [السجدة: 1, 2] و{هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} [الانسان: 1]).
فيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذا المحل وكره مالك للإمام قراءة السجدة في صلاة الفرض خشية التخليط على المأمومين وخص بعض أصحابه الكراهة بصلاة السر فعلى هذا لا يكون مخالفا لمقتضى هذا الحديث وفي المواظبة على ذلك دائما أمر آخر وهو أنه ربما أدى الجهال إلى اعتقاد أن ذلك فرض في هذه الصلاة ومن مذهب مالك: حسم مادة هذه الذريعة فالذي ينبغي أن يقال: أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث وإذا انتهى الحال إلى أن تقع هذه المفسدة ينبغي أن تترك في بعض الأوقات دفعا لهذه المفسدة وليس في هذا الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا وعلى كل حال فهو مستحب فقد يترك المستحب لدفع المفسدة المتوقعة وهذا المقصود يحصل بالترك في بعض الأوقات لاسيما إذا كان بحضرة الجهال ومن يخاف منه وقوع هذا الاعتقاد الفاسد.
.باب العيدين:
1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة).
لا خلاف في أن صلاة العيدين من الشعائر المطلوبة شرعا وقد تواتر بها النقل الذي يقطع العذر ويغني عن أخبار الآحاد وإن كان هذا الحديث من آحاد ما يدل عليها وقد كان للجاهلية يومان معدان للعب فأبدل الله المسلمين منهما هذين اليومين اللذين يظهر فيهما تكبير الله وتحميده وتمجيده وتوحديه ظهورا شائعا يغيظ المشركين وقيل: إنما يقعان شكرا لله تعالى على ما أنعم الله به من أداء العبادات المتعلقة بهما فعيد الفطر: شكرا لله تعالى على إتمام صوم شهر رمضان وعيد الأضحى: شكرا على العبادات الواقعات في العشر وأعظمهما: إقامة وظيفة الحج.
وقد ثبت أيضا: أن الصلاة مقدمة على الخطبة في صلاة العيد وهذا الحديث يدل عليه وقد قيل: إن بني أمية غيروا ذلك وجميع ما له خطب من الصلوات فالصلوات مقدمة فيه إلا الجمعة وخطبة يوم عرفة.
وقد فرق بين صلاة العيد والجمعة بوجهين: أحدهما: أن صلاة الجمعة فرض عين ينتابها الناس من خارج المصر ويدخل وقتها بعد انتشارهم في أشغالهم وتصرفاتهم في أمور الدنيا فقدمت الخطبة عليهم حتى يتلاحق الناس ولا يفوتهم الفرض ولاسيما فرض لا يقضى على وجهه وهذا معدوم في صلاة العيد.
الثاني: أن صلاة الجمعة هي صلاة الظهر حقيقة وإما قصرت بشرائط منها الخطبتان والشرائط لا تتأخر وتتعذر مقارنة هذا الشرط للمشروط الذي هو الصلاة فلزم تقديمه وليس هذا المعنى في صلاة العيد إذ ليست مقصورة على شيء آخر بشرط حتى يلزم تقديم ذلك الشرط.
2- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له», فقال أبو بردة بن نيار خال البراء بن عازب: يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي فذبحت شاتي وتغذيت قبل أن آتي الصلاة فقال: «شاتك شاة لحم» قال: يا رسول الله فإن عندنا عناقا هي أحب إلي من شاتين أفتجزي عني؟ قال: «نعم ولن تجزي عن أحد بعدك».
البراء بن عازب بن الحرث بن عدي أبو عمارة ويقال: أبو عمر أنصاري أوسي نزل الكوفة ومات بها في زمن مصعب بن الزبير متفق على إخراج حديثه.
وأبو بردة بن نيار اسمه هاني بن نيار وقيل: هاني بن عمرو وقيل: الحرث بن عمر وقيل: مالك بن زهير ولم يختلفوا أنه من بلي وينسبونه: هانئ بن عمرو بن نيار كان عقبيا بدريا شهد العقبة الثانية مع السبعين في قول جماعة من أهل السير وقال الواقدي: أنه توفي في أول خلافة معاوية.