لا يتعلَّم النسر كيف يطير إلا بعد ما تقوم أمه بحفزه على القفز؛ ليحصل على الطعام الذي أعدّته له، فيضطر إلى أن يفرد ريشه ويحاول أن يطير، وهي في حال استعداد لإسعافه إذا سقط..
هكذا هي الحياة والتحديات تجعلنا نفرد أجنحتنا ونتعوّد على التحليق!
هل نظرت إلى السماء وهي ملبَّدة بالغبار الأسود الكثيف؟ إن راكب الطائرة لا يراها كذلك بل يجدها ناصعة الصفاء.
السمو والنظر البعيد يجعلك ترى الأشياء بصورة أفضل.. ترى وجهها الجميل!
وربما أراد بك عدوك شراً، وأراد الله لك بهذا الشر خيراً، وإرادة الله غالبة لا معقب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (13:الرعد).
حياتنا مقرونة بقدْرٍ من القلق الإيجابي المثير؛ الذي كان وراء الكثير من نجاحات الحياة العظيمة.
كثيرون ألفوا وضعاً عادياً لا يحبون الخروج منه، فيريد الله أن يخرجهم إلى ما هو أفضل بواسطة أزمة عابرة تنتزعهم من الإذعان لذلك الواقع المنقوص..
والألم الذي تُحدثه الأزمة يُظهر أجمل مافي النفس من معاني الإيمان، والحب، والمعرفة، والتواضع، والطِّيبة، والإيثار، والنقاء، والبناء..
قبل طلوع الفجر تشتدّ الظُّلمة وتعصف الرِّيح..
في الأرض والنفس كنوز مخبأة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر أقبية الظلام.
كثير من الزهور الجميلة والنباتات لا تنمو إلا في الظلام.
في الظلام نتعلّم كيف نثق باليد التي تمسكنا دون أن نراها.. يد الله!
وقبل الولادة مخاوف وبكاء ومخاض ولكن النتيجة رائعة.. وجه كالقمر.. وعينان كغابتي نخيل!
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ..
الإيمان بالله يشحن النفس بالثقة والأمل، ويجعل من الأزمات والضيقات مجالات خصبة للنمو، والبركة، والتجربة، والإبداع.
الأمل الإيجابي هو سحر الحياة وروحها..
تستطيع أن تعيش أربعين يوماً بلا طعام.
وثلاثة أيام بلا ماء.
وثمان دقائق بلا هواء.
ولا تستطيع أن تعيش ثانية واحدة حين تفقد الأمل.. حين يستبدّ بك اليأس!
الآلام تسوقنا إلى الله، وتذكّرنا بالطريق، وتُلهمنا الذكر والتسبيح.
بمقدورك أن تصبح أقوى من ألمك ليس بأن تتحمّله فحسب، ولا بأن تحوّله إلى وسيلة للتفوق والبناء فحسب، ولكن بأن تفيض من روحك على البائسين والمحرومين والمعذَّبين.
كثيرون يظنون أن قربهم من الله يحرمهم اللذة، والمتعة، وجمال الحياة.. والحق أن الإيمان بالله يُضاعف المتعة والبهجة، ويصنع سوراً منيعاً ضد الإحباط والقنوط.
الأكل من الشجرة المحرَّمة قصة بدأت مع آدم وهي تتكرر في حياتنا، ولكن لا يجب أن نفهم الأزمة على أنها (عقاب) محض.. هي تطهير ورفعة منزلة، وحماية منخطر قادم.
لو كنت أكثر قوة مما أنت، أو أكثر جمالاً، أو شباباً، أو مالاً، أو نفوذاً.. لربما صدر منك ما تعيبه على غيرك!
متى نعود إلى الله؟ الابن الشارد يعود إلى المنزل حينما يمرض، أو يفقد ثروته، أو يتحطَّم.. ولله المثل الأعلى.
الفلاح يذرو الحَبّ في الهواء؛ لتطير النخالة وتبقى الحنطة الصافية، وهكذا هي رياح المحنة تذهب رديئك وتبقي طيبك!
هل تقول إنك سَيِّء الحظ؟
كلا؛ فرُبَّ مُقعَد، أو أعمى، أو ضعيف، أو فقير.. كانوا أكثر سعادة، وأعظم تأثيراً من الملوك، والأغنياء، والأصحاء.
ليست الحياة حديقة زهور ولا هي حقل أشواك، ولكنها يمكن أن تكون كذلك إذا كنت مصرّاً على أن تفهمها هكذا.
وإذا لم تفهم عقدة القصة أو سر اللوحة فأعد التأمل واستعن بخبير!
وإن بنيت علاقتك مع الله على المصلحة العاجلة فحسب فقد بنيت منزلك على رمال متحركة!
كيف تعاملت مع الأزمة؟
هل كنت ممن يحتفظ بها، ويغلق الباب على نفسه، ويستسلم للعواصف، ويجترّ الآلام ثم يتحوّل إلى الشرود، والإهمال، والتذبذب، والأمراض النفسية، والروحية؟
أم كنت ممن يتمرّد على الأزمة، فيتمرّد على قيمه الإيمانية، والروحية، والاجتماعية.. ويتحوّل إلى العنف، والقسوة، ومحاولة الانتقام من المجتمع؟
أم حاولت الهروب من الأزمة وتجنب التفكير فيها وعدم مواجهتها، وربما قتلت وقتك بالترفيه السلبي واللهو والإدمان؟
أم أنت من ذلك الصنف الواعي؛ القادر على مواجهة الأزمة بصبر وإيمان وخبرة بالحياة، وعقل منفتح علىالخيارات، وروح هادئة تدري أن الحزن مقدمة السرور، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً؟
مفتاح الحل بيدك.. أن تنظر إلى الأمام.. إلى الممكن والمقدور، وتتكيّف مع المتغير سريعاً ودون إبطاء، ولا تطل الالتفات إلى الخلف إلا بقدر ما يتطلبه الوفاء والاعتبار، وإياك أن تكون كالشريف إذ يقول: