إذا قارنا ما وصلت إليه نظريّة النسبيّة والكم، والأبحاث التالية لهما، نجد أنها وصلت إلى حقيقة هامة، وهي: أنّ الكون وحدة واحدة، حتى إنّ الذرات التي كانت مع بعضها، تظل متصلة ببعضها بصورة ما، حتى ولو انفصلت عن بعضها..
فمثلاً: إذا كان هناك ذرتان متصلتان ببعضهما بصورة ما، فإنه بعد انفصالهما عن بعض نجد أنه: حتى لو كانت واحدة في أول الدنيا، والثانية في آخر الدنيا، فإن كل واحدة منهما تتغير تبعاً لتغير الأخرى.. مما جعل بعض النظريات تقول إنه حتى بعد انفصال الذرات التي كانت مع بعضها، فإنها مازالت متصلة ببعضها بوسيلة غير مفهومة..
حتى العلماء في فرنسا أعلنوا في عام 1979م أنه بالنسبة لنظرية الكم (Quantum)، فإنّ التصور بأنّ العالم الخارجي ثابت أمامنا، ليس تصوراً حقيقياً، لأنّ الوضع على الحقيقة غير ذلك، والاكتشافات العلمية تدل على أنّ العالم وحدة واحدة، وأن هذه الوحدة لا تقبل بالانفصال المساحي بين الوحدات المختلفة.
فنحن نعيش في عالم يحتوي الجزء فيه على الكل:
- فالأشجار والنباتات والحيوان والإنسان، ما هي إلا مرايا في مواجهة بعضها البعض، تعكس صوراً لا نهائية، لموجودات متشابهة في التكوين، تبعاً لأصلها ولكن لكلٍّ حياة خاصة بها.
- ونموذج الإنسان في الجينات، المكونة من إفراز الرجل والمرأة، تحتوي على معلومات مركزة في الجزء، ولكنها تحتوي على المعلومات الخاصة بالكل.. وجسم الإنسان مهيأ، ولديه القدرة على مقاومة ما يغزوه من ميكروبات وبكتيريا، وهو معد لمقاومتها، مع العلم أن متوسط عمر البكتيريا الهاجمة على جسم الإنسان لا يزيد عن أربع دقائق، إذا قاومها الإنسان في الحال، وتاريخ تطور الإنسان في جسمه يخلق فيه كفاءة عالية الدرجة، نتيجة الهجوم المستمر عليه.
- وقد لوحظ أن مجرد علم المريض بطبيعة مرضه، وما هو نوع الغذاء الذي يفيده، ويجعل حالته النفسيّة تلعب دورها في إفرازات جسم الإنسان، مما يساعد على تحسن صحته.
- ويقول علماء نظرية الكم (Quantum): إنّ العلم تقدّم كثيراً، عمّا تنبأ به (مندل) عن الوراثة، حيث أثبت العلماء أن كل جزء من العالم يحتوي على المعلومات الموجودة في الكون كله.
- ويقول بوهم (David Bohm) زميل (أينشتين): إنّ المعلومات الخاصة بالكون كله موجودة ومحتواه داخل كل جزء فيه.. وذلك أشبه بالصورة الهولوجرامية.
والهولوجرام هو: صورة أنشأت خصيصاً، بحيث أنها إذا أنيرت بأشعة الليزر تبدو معلقة في الفضاء بأبعاد ثلاثة.. والعجيب في الهولوجرام: أن أي جزء منه إذا أضيء بنور معيّن، فإن أي جزء منه يعطي صورة عن الكل.. فالمعلومات الخاصة بالكل مثبتة في كل جزء.
ولذلك يرى بوهم (Bohm) أنّ نظرية الطبيعة تدل على أنّ العالم ليس مكوناً من أجزاء، بل يُرى ككل غير منقسم.. ولذلك فإنّ الفكرة القديمة في علم الطبيعة، التي تفسر الكون أنه مكون من أجزاء، أو كلبنات من الطوب، لم يعد لها وجود.. أما ما نتصوره من أنّ الأشياء تبدو منقسمة ومنفصلة عن بعضها، فهذا خداع بصري.
وهنا تظهر عظمة القرآن عندما أنبأنا عمّا وصل إليه العلماء في العصر الحديث، عن قصور النظر هنا، قبل أن يصلوا إليه بآماد طويلة، في قوله عزّ وجل: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ}... (الملك : 3-4).