كلنا يعلم أن القرآن الكريم هو معجزة الإسلام الخالدة والدائمة.. هو كتاب هداية أساسا.. كل ما ورد به هدفه هداية الأنسان.
كل ما حواه من آيات وإشارات هدفه توجيه وإقناع الناس بمختلف أعمارهم وخلفياتهم العلمية والفكرية إلى الإيمان بالله.
لقد ورد في كتاب الله الكثير من الآيات التي تدعو الناس وتوجه المؤمنين إلى النظر في أنظمة الكون وتدبر آثارها وكيفية حدوثها، وتطلب منا أن نسخر حواسنا وعقولنا لإدراك أسرار عالم المخلوقات، فيقول عز وجل: { أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. تَبْصِرَةً وَذِكْرَىَ لِكُلّ عَبْدٍ مّنِيبٍ}... (ق : 6-. {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَىَ الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}... (الغاشية: 17- 20)، {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}... (العنكبوت : 20).
{وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}... (الذاريات: 20-21).
وكما هو واضح من هذه الآيات فإن كل ما في الكون آيات تشهد بعظمة الخالق وتقود إلى الإيمان بمنظم هذا الكون ومدبره، ويعتبر النظر في هذه الآيات أحد أهم السبل لمعرفة الله والإيمان به وبقدرته.. ولقد كان هو المنهاج الذي بدأ به الأنبياء العظام دعوتهم..
فنوح عليه السلام يدعو قومه: {مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا}... (نوح: 13-20).
وموسى عليه السلام يقارع فرعون بالحجة ويسوق له الآيات الكونية ليهديه بها. {قَالَ رَبّنَا الّذِيَ أَعْطَىَ كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمّ هَدَىَ * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاُولَىَ * قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّي فِي كِتَابٍ لاّ يَضِلّ رَبّي وَلاَ يَنسَى * الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّن نّبَاتٍ شَتّىَ * كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لاُوْلِي النّهَىَ}.... (طه 50-54).
ومن الطبيعي أن قراءة صفحات كتاب الكون وعالم المخلوقات ليس مما يقدر عليه كل إنسان وإنما قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاّ الظّالِمُونَ}... (العنكبوت: 49)، وكما قال قبلها في نفس السورة: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ}... (العنكبوت: 43).
إن الله تعالى يجعل التعقل في الآيات الكونية مختصا بالعلماء.. ومن الواضح إن إدراك الموضوعات التي ذكرت في الآيات السالفة إنما يتم للعلماء الذين بحثوا في هذه المجالات واكتسبوا معلومات متقدمة في مجال تخصصهم وإلا فإنه لا يمكن الاستفادة من كتاب الكون من خلال نظر سطحي ساذج.
لذا فقد اهتمت أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في السنوات الأخيرة بالجمع بين علماء الشريعة وعلماء الكون عند مناقشة هذه المواضيع لإثراء النقاش ووضع الحقائق والنظريات العلمية في إطارها الصحيح.
كانت هذه بعض المعانى التي تواردت بخاطرى عندما توقفت لأتدبر آيتين من كتاب الله من سورة فاطر تشيران إلى دور الماء وأهميته في إعطاء الفواكه والثمار والصخور والبشر والحيوانات ألوانها المختلفة، وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النّاسِ وَالدّوَآبّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}... (فاطر : 27-28).
وتتحدث كتب التفسير عن الجدد بأنها الجبال أو الطرائق وكذلك يصفون الغرابيب السود بأنها الجبال السوداء الطويلة.
ولأني واحد ممن أنعم الله عليهم ببعض العلم في مجال علوم الأرض فقد توقفت كثيراً أمام ما ذكر عن دور الماء في إضفاء الألوان المميزة للصخور - والتي يعرفها الإنسان بها لأول وهلة في الحقل والعينات اليدوية.. حتى إن هناك مجموعات من الصخور تصنف طبقاً للونها فنعرف مثلاً الـ greenstones pink and red greenschists) (granits, greywackes. وإلخ.. وهى كما نرى تغطى أنواعا عديدة نارية … رسوبية.. متحولة.
وتحدثنا كتب الجيولوجيا أن لون الصخر هو نتاج ألوان المعادن المكونة له، والنسيج الذي ينظمها، والعوامل الجوية التي تعرضت لها.. كما أن لون المعدن هو نتاج التركيب الكيميائي والبيئة التي يتكون فيها … مؤكسدة أم غير ذلك.
وتفسر كتب علم المعادن أسباب تغير ألوان المعادن بظاهرة الامتصاص (absorption) حيث تمتص المعادن بعضاً من طاقات أو موجات الأشعة المرئية …(visible light) فتتكون صحبة جديدة من الطاقات أو الموجات ذات الألوان المعروفة من البنفسجي حتى الأحمر.. وتربط بعض الكتب ذلك بالانتقالات الإلكترونية بين مستويات الطاقة ذات الترتيب المنظم داخل البلورات في ضوء ما يسمى بالـ (crystal field theory).
ونظراً لأن أيونات بعض العناصر خاصة الفلزات الانتقالية (transition metals) مثل الحديد والكروم والمنجنيز لها دور بارز في هذا المجال يعرفه الزملاء في علوم الفيزياء والكيمياء.. فقد تم التركيز على أن محتوى المعادن من هذه العناصر هو الذي يلعب الدور الرئيسي في تحديد ألوانها.. ورغم أننا لا ننكر مثل هذا التفسير الدقيق لتغير الألوان ونسلم بكثير من الأسباب الأخرى التي تساق في هذا المجال مثل وجود المكتنفات والشوائب والتحطيم الإشعاعي (radation damage).. إلا أننا نتساءل وهل هناك من دور للماء في إضفاء ألوان للمعادن؟.
لقد بحثت كثيرا عن دور الماء كمسبب للألوان في المعادن والصخور فلم أجد إلا إشارات عابرة هنا وهناك لا يجمعها رابط ولا يضمها مقال.. ورغم هذه الإشارة القرآنية التي أنزلت على محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام) منذ أكثر من أربعة عشر قرناً مضت من الزمان.. لذلك فقد أردت بهذه المقالة أن ألفت الانتباه إلى عامل هام لا أقول "آخر" بل هو "أساسي" وهو الماء.
واسمحوا لي أن نستعيد بسرعة بعض الصفات والخصائص الأساسية للماء والتي لها صلة كبيرة بما نحن بصدده.
خصائص الماء:
لقد أودع الله سبحانه وتعالى أسراراً عظيمة في الماء يعطيه مزايا كبيرة من أهمها:
1- سهولة تفككه إلى أيونى الـ H+ أو-OH أوكلاهما أيون نشط، وهذا التفكك يزداد بزيادة العمق في القشرة الأرضية وتزداد مقدرة أيون (الايدروجين) على الدخول في عمليات كيميائية متعددة بسبب صغر حجمه، كما يلعب أيون (الهيدروكسيل) دوراً بارزاً في اتزان الشحنات للمعادن المختلفة.
2- يعد الماء أفضل مذيب في ظروف الضغط الجوى بسبب تركيبه الجزيئى، كما أنه لا يفقد هذه الخاصية وهو في طور بخار الماء، بل إن بخار الماء في باطن الأرض تزداد فعاليته في الإذابة، كما أنه يذيب نفسه في الصهير لتكوين مخاليط سيليسية مع المعادن المكونة للصخور.
3- كثافة الماء ولزوجته تتيحان له الحركة داخل مسام الصخور والشقوق والفتحات مما يمكنه من لعب دور كبير في إذابة المواد أو نقلها.
4- الماء هو المادة الوحيدة على الأرض التي يمكن أن توجد في الحالات الصلبة والسائلة والغازية في وقت واحد.
5- يذيب الماء ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوى ليعطى حامض الكربونيك، وهذا بدوره يتفكك إلى أيوني الأيدروجين والبيكربونات، كما أنه يذيب بعض الغازات الأخرى من الجو وهذا يزيد من مقدرة الماء على التفاعل مع الصخور المحيطة به والقيام بعمليات كيميائية متعددة.
ويمكن تلخيص ذلك بالتأكيد على أن الماء هو أكثر السوائل ذات الكثافة المنخفضة انتشاراً وأكثرها مقدرة على الإذابة وأكثر العوامل الكيميائية مقدرة على النقل وأفضل العوامل المساعدة في تفاعلات المعادن السيليكاتية في الصهير وأفضلها أيضا في المساعدة على تحويل الصخور من نارية ورسوبية إلى متحولة.
الماء والأرض:
توصف الأرض بأنها كوكب مائي لتميزه بوجود غلاف مائي يشمل البحار والمحيطات التي تغطى 71% من مساحة الأرض والأنهار والبحيرات والثلاجات وأغطية الجليد وكذلك الماء تحت السطحي وأخيراً بخار الماء الموجود في الغلاف الجوى.
ولذا فإن دورة الماء لها نشاط وتأثير فعال في العمليات التي تحدث على سطح الأرض منذ خلق الله الأرض وهيأها للقيام بواجبها. ووصف سبحانه وتعالى المراحل الأولى لتكوين الماء عليها بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا. وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا}... (النازعات: 31-32).
وليس هنا مجال الحديث عن أصل الماء على الأرض والمرحلة التي ظهر فيها فربما كان هذا موضوع بحث آخر ينبغي القيام به إلا أنه من المناسب الإشارة إلى ما يلفت القرآن نظرنا إليه من أن مصدر الماء الأصلي كان من داخل الأرض في مرحلة ابتدائية من التكوين وهو ما لم يتوصل إليه العلماء ويؤكدوه إلا باستخدام نسب النظائر المستقرة للأكسجين والهيدروجين وهو ما يحتاج إلى تقنيات متقدمة جداً كالتحليل الطيفي الكتلي وخلافه، كما أن علاقة خروج الماء من الأرض وإرساء الجبال عليها لهى من العلاقات التي تحتاج لمزيد من البحث والتدبر.
ألوان المعادن والصخور وعلاقاتها بالماء:
كلنا يعلم الدور الهام الذي يلعبه الماء في القيام بالعمليات الجيولوجية - الخارجية منها والداخلية- وهى العمليات التي ينتج عنها تكون المعادن المختلفة التي تضفي على الصخور ألوانا مميزة ولنبدأ أولا بـ: العمليات الخارجية (external or exogenous processes) وهى العمليات التي تستمد الطاقة اللازمة لإتمامها من حرارة الشمس ويندرج تحت هذه العمليات عمليتان أساسيتان هما:
- التجوية (weathering)
- الترسب (sedimentation)
ففي العملية الأولى نلفت النظر إلى التجربة الكيميائية – وهى الأكثر تأثيرا على الصخور – ودور الماء فيها وفعاليته في تغير التركيب الكيميائى لأكثر الصخور صلابة وما يصحب ذلك من تغير لألوانها فنرى على سبيل المثال:
أ- تغير معادن الفلسبار – سواء منها القلوي أو الكلسي أو ما بينهما وتأتى على رأس المعادن المكونة للصخور أهمية ووفرة – إلى معادن الطفلة (clay minerals) أو ما يسمى بسيليكات الميهة (hydrated aluminium silicate) ذات الألوان البيضاء المميزة.
ب- تغير المعادن الداكنة أو المافية (mafic minerals)مثل البيروكسين والهورنبلند والميكا إلى معادن ما فيه ميهة (hydrated feromagnesian minerals) مثل الكلوريت والتلك، وتختلف درجات اللون بمقدار استجابة الصخور للتجربة بسبب تركيبها المعدني أو كثرة الماء أو الرطوبة الجوية.
جـ- أكسدة المعادن الحديدية فنرى مثلا تحول البيريت وغيره من كبريتدات المعادن الاقتصادية لينتج عنه ما يعرف بالجوسان (gossans) من الأكاسيد الحديدية المائية ويصحب ذلك تغير واضح في لون الصخر الحاوي لهذه المعادن، بل إن محتوى الماء في هذه الأكاسيد يلعب دورا بارزا في إعطائها الألوان حتى إنها تقسم أحيانا على أساس هذه الألوان ما بين الأحمر والبني والأصفر كما في حالات الجيوثيت والليمونايت، وهناك دراسات عديدة لاستخدام هذه الألوان كوسيلة لمعرفة الاحتمالات الاقتصادية للصخور إلى تسفلها.
د- مثال آخر عن تسبب الماء في تحويل كثير من المعادن الأولية (primary) إلى معادن ثانوية أو مشتقة (secondary) متعددة التراكيب الكيميائية والألوان فمثلا نجد عنصر اليورانيوم يذوب بفعل الماء من معدنه الأولى اليورانينيت ذو اللون الأسود الداكن ويتحد بأيونات وكتيونات أخرى ليعطي أكثر من مائتي معدن ثانوي تتميز جميعها بالألوان الجميلة الزاهية التي تسر الناظرين.
هـ- يذيب الماء كثيراً من العناصر مثل الحديد والمنجنيز ويعيد توزيعها على أسطح الحبيبات والبلورات مسببا صبغتها (staining) بالألوان الضاربة في الحمرة والبني والبنفسجي.. الخ.
و- ينتج عن عمليات الإزالة بالغسل (leaching) نتيجة التجوية الكيميائية في المناطق الرطبة غزيرة الأمطار ما يعرف بالرواسب المتبقية (residual deposits) وكلها مكونات من الهيدروكسيدات والسليكيات المتميهة (hydrosilicates) ومنها رواسب الكاولين والبوكسيت (خام الالومنيوم) وبعض رواسب الحديد والنيكل فإذا انتقلنا الآن إلى عمليات الترسيب وهى النوع الثاني من العمليات الخارجية فإننا نلفت النظر إلى أنها تحدث دائما في بيئات مائية حيث يتجمع الماء المستخدم في عمليات التجوية أو الماء الجاري في أحواض ترسيب يتم فيها تكون مختلف الصخور الرسوبية ومن أمثلة ذلك:
أ- تكون المتبخرات حيث تتبلور المعادن نتيجة عملية التبخر ونرى أثر الماء في اختلاف الألوان كما في حالة الانهيدريت والجيبسوم وتعدد ألوان هذا الأخير باختلاف محتواه من الماء.
ب- تكون الرسوبيات الغروية (colloidal sediments) وهذه الأخيرة تتكون أثناء عمليات التجوية وتنتقل في الماء الجارى وتترسب بعد اجتذابها والتحامها بالأيونات السائدة، ونظراً لأنها تكثر بين عناصر الحديد والمنجنيز والسيليكا فانها تعطى ألوانا مميزة للرواسب الناتجة.
جـ- تكون أنواع كثيرة من المواد اللاحمة (cementing materiat) التي تربط بين الحبيبات المنقولة (detrital grains) إلى أحواض الترسيب فتعطي الصخر ألواناً مميزة كما في رواسب الحجر الرملى الحديدي (ferugeneous sandstone).
العمليات الداخلية (internal or endogenous processes) وهى العمليات التي تستمد الطاقة اللازمة لإتمامها من الحرارة الداخلية للأرض وفي هذه العمليات تتكون المعادن من الصهار (magma) ويعتبر الماء من مكونات الصهار التي لها تأثير بالغ على سلوك التبلور أثناء التفارق الصهيري بل وفي جميع مراحل التبلور.
وأول تأثير للماء يكون على درجات حرارة التبلور لأن وجوده ولو بكميات يسيرة يؤدى إلى خفض درجة حرارة التبلور إلى مدى بعيد. كما يؤثر على لزوجة الماجما وبالتالي على صعوبة أو سهولة تحركها أو صعودها إلى سطح الأرض لتكون صخوراً بركانية أو تبقى لتتبلور داخل أعماق الأرض، وفي حالة الصخور البركانية تهرب منها المكونات الغازية والطيارة ومنها الماء بينما يبقى في الصخور الجوفية ليدخل في تركيب كثير من المعادن وفي كلا الحالتين تتكون صخور مختلفة الألوان نتيجة تكون المعادن المختلفة.
كما يؤثر الماء في أعماق الأرض على درجة تأكسد الحديد وهناك علاقة مباشرة بين محتوى الماء والوفرة النسبية للاكسجين oxygen fugacity فإذا زادت نسبة الحديديك إلى الحديدوز (ferric ferrous ratio) وهذه النسبة لها تأثير بالغ على لون الصخور البركانية فكلما زادت تحول اللون إلى الاحمرار بدرجة أكبر.
كذلك فإن اللون الأحمر الذي يكنسبه الفلسبار البوتاسى والذي يرجع إلى وجود شوائب حديدية يختفي لون هذا الحديد كان مختزلا في صورة حديدوز (ferrous) ولا يظهر إلا إذا كان الحديد مؤكسدا (في صورة حديديك ferric) وكلا الحالتين تتأثران بالوفرة النسبية للأكسجين والماء. كذلك فإن وجود هذه البيئة المؤكسدة تساعد على ادخال العناصر التي تعد من المواد الصابغة أو الملونة للمعادن مثل الكروميوم.
وفي أثناء تبلور الصهار (الماجما) في الأعماق فإن الماء يدخل في تركيب أنواع كثيرة من البلورات التي تنفصل من الصهير. ووجوده في الصهار بنسبة أكبر يؤدى إلى تكون معادن مجموعات الامفيبول والميكا وهى معادن متميزة ليست فقط بألوانها المرئية بل بظاهرة التغير اللوني (pleochroism) تحت المجهر المستقطب.
ومع تقدم عملية التبلور يتركز الماء الموجود في الصهار ويقوم باستخلاص كثير من العناصر ذات القيمة الاقتصادية ويركزها في محاليل حرمائية (hydorothemal solutions) تترسب منها في مراحل لاحقة من التبلور معادن ذات ألوان مختلفة وعليه فانه بالرغم من عدم دخول الماء في التركيب الفعلي لهذه المعادن إلا أنه قد لعب دوراً أساسيا في تكوينها.
كما تلعب المحاليل الحرمائية دوراً بارزا في أحداث أو تغيرات (alteration) تسبب تغييراً في التركيب الكيميائي للمعادن التي تجتاحها والصخور التي تمر عليها محدثة تغيرات بالغة الدلالة في ألوانها وهو ما يعرف بالتحول المائي (hydrothermal alteration) والتي ينتج عنها كثير من المعادن المائية المعروفة، وتشير كثير من الدراسات إلى تأثير كثير من المعادن الأولية بما تحتويه من مكتنفات مائعة (fluid inclusions) بما في ذلك الكوارتز وبعض الفلسبارات، بل إن هذه المكتنفات المائعة تحمل أحيانا كثيرا من الشوائب التي يكون لها تأثير بالغ على إضفاء ألوان معينة على المعادن.
هذه بعض الأمثلة لـتأثر ألوان المعادن الأولية أو أثر الماء الأولي المنفصل عن الصهار في أحداث تغيرات في ألوان المعادن، ولا شك أن الدور الذي يلعبه الماء في تنويع المعادن المتكونة وبالتالي ألوان الصخور الناتجة لهو دور كبير بالغ الأهمية ولكن نكتفي بهذا القدر وننتقل إلى:
عمليات التحول (metamorphic processes) وهى تعد من أهم العمليات التي تجرى في القشرة الأرضية بما يصحبها من تغير في ظروف الضغط والحرارة وما ينتج عنها من تحول المعادن أو تغير في تركيبها الكيميائي وصفاتها الفيزيائية وتغير في المظهر الخارجي للصخر.
مثلا المياه التي دخلت المعادن التي ترسبت بواسطة العمليات الخارجية تهرب منها فيتحول الأوبال إلى كوارتز ويتحول الليمونيت إلى هيماتيت أو ماجنيتيت، ولا يوجد أدنى شك في أن الماء (ومعه ثانى أكسيد الكربون) يلعب دوراً هاماً في عمليات إعادة التبلور recrystallization وفي عمليات التحول الكيميائي metasomatism وإعادة توزيع المعادن بل وفي إعادة توزيع العناصر في داخل المعدن الواحد.
ويدخل الماء في تركيب معظم المعادن المتحولة فنراه في تركيب معادن الأبيدوت والكولوريت والتلك وغيرها وهي معادن لا تتكون في غير وجود الماء حتى تحت نفس ظروف الضغط والحرارة، وهذه المعادن أو معظمها تتميز بألوان الاخضرار وتعطى ما يعرف بالسحنات الصخرية الخضراء (greenschist facies).
ومن الصخور المتحولة ذات الألوان الخضراء المتميزة صخور السربنتين والذي لا يتكون إلا بوجود الماء وتأثيره على الصخور الفوق قاعدية. كما أن صخور الامفيبوليت وهى من أكثر الصخور شيوعاً لا تتكون وتأخذ اللون الأسود الداكن الضارب للاخضرار إلا بوجود الماء.
لقد كان للعلماء العرب والمسلمين الأوائل دورٌ بارزٌ في تقدم العلوم الكونية أو المادية بصفة عامة وقد أشاد بإسهامهم الكثير من المنصفين الغربيين.. وهناك العديد من الكتابات في هذه النقطة بالذات ولكنى أكتفي منها بما قاله (فرانتز روزنتال) Franz Rosental في كتابه "منهاج العلماء المسلمين في البحث العلمي" نقلا عن فون كرامر Von Kramer وهو يصف النشاط العلمي عند علماء المسلمين فيقول: إن أعظم نشاط فكرى قام به العرب يبدو لنا جليا في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملحوظاتهم واختباراتهم فإنهم كانوا يبدون نشاطا واجتهادا عجيبين حين يلاحظون، ويمحصون حين يجمعون، ويرقبون ما تعلموه من التجربة أو أخذوه من الرواية والتقليد.. وكذلك فإن أسلوبهم في البحث أكبر ما يكون تأثيرا عندما يكون الأمر في نطاق الرواية والوصف. وبصفتهم مفكرين ومبدعين فقد أتوا بأعمال رائعة في حقلي الرياضيات والفلك وللسبب ذاته نجح العرب في باقي العلوم.
وختاماً فإنني أهيب بعلماء المسلمين أن ينفضوا عن أنفسهم غبار التقصير في حق تراثهم وأن ينهلوا من كتاب الله وليعطوا من وقتهم جانبا يحققون فيه ما ورد به من إشارات وتليمحات ويحسنوا عرضها ويقدموها في صورة لائقة لأبنائهم في نسيج متوازن مع المعرفة العلمية المعاصرة وفي إطار من التسامح العظيم الذي عرفت به الحضارة الإسلامية الشامخة وفي ضوء إيمان المسلمين العميق بحقيقة الأخوة الإنسانية وبضرورة نشر المعرفة بين الناس -كل الناس - (فكلهم لآدم وآدم من تراب).